الأربعاء، 12 أغسطس 2009

الإدارة والديمقراتنموية المستدامة

قرأت في العدد (5111) من صحيفة الشّبيبة الموقرة الصادر بتاريخ 9 أغسطس 2009، مقالا بعنوان "عطش التنمية للديمقراطية" للكاتب الأستاذ سعيد بن سلطان الهاشمي. أثار هذا المقال الجميل ما أثاره في نفسي, ليس لأن هناك معزة واحترام كبيرين أكنهما للأستاذ سعيد فحسب, بل لأن المقال إحتوى على هنات وكأنه جمعها من أفواه الكثيرين ممن يسمعون ويعون. فذهبت أتمتم بتلك الأسئلة التي طرحها وأردت أن أبدأ من حيث انتهى الأستاذ سعيد أو ربما أركز على زاوية معينة، علّني أساهم في إمتداد للموضوع.
من سمات الحياة البشرية (في سهولتها أو تعقدها، بدائيتها أو تحضرها) تكوين الجماعات المختلفة وذلك لاحتواء البيئة التي تعيش فيها هذه الجماعات بشتى أنواعها وأنماط تشكلها. وبحكم أن الأنسان مدني بطبعه ولا يحب الإنعزال, بدأ بتكوين عائلات وقبائل أو عشائر يقوم فيها الزعماء أو رؤساء الجماعات بتصريف أمور هذه الجماعات وتوزيع مهامها وحل نزاعاتها واتخاذ القرارات بما يتناسب مع القضايا المتعلقه بالجمع. وبنفس النمط تطور الأمر الى أن تكونت مجتمعات ومن ثم دول. هذا الإحتواء يتكون بدافع الإستفاده أو بشكل أشمل إستثمار الموارد والطاقات المحيطة والتي تقع تحت سلطتها وهذا ربما هو أحد أبسط مفاهيم الإداره.



إن نجاح خطة تنمية إقتصادية أو إجتماعية ما، يعود إلى حسن أستغلال الموارد المادية والإستثمار في الموارد البشرية. وهذا يدفعنا للنظر الى الموضوع من منحى آخر. بمعنى، أن التخطيط الجيد لمناحي التنمية في وجود قدر من الديمقراطية العقلانية في مجتمع ما يرتبط إرتباطا وثيقا بكفائة الإدارة المعنية. ولذلك، فإن الكثير من المشكلات الإدارية عادة ما تتواجد بشكل ملحوظ في الدول النامية. نعم أتفق مع الأستاذ سعيد في أن التنمية تحتاج فيما تحتاج إلى رفيق في مشوارها الذي لا ينتهى. فالمصطلح الحديث الذي أصبح يلازم الألسنة هو "التنمية المستدامه"، ولايجاد هذا النوع من التنمية (إذا كانت ضمن الأهداف الرئيسة) فلابد من تواجد تلكم العناصر الأخرى والتي إنتقاها لنا سعيد الهاشمي.



أما اذا أردنا الخوض في نقاش آخر، فهناك العديد من التعريفات الموضوعية الشائعة لمفهوم الإدارة ، بل أن هناك من يمارس الإداره بشكل تلقائي ويومي دونما الإلتفات لهذه المفاهيم. وهناك من يجادل ليطلق عليها مصطلح رقيق مثل "فن الإدارة" بينما يصمّم البعض على وضعها في قائمة العلوم لتصبح "علم الإدارة". وغيرهم من يروّج لجعلها فنّا وعلما في ذات الوقت. ورغم تعدد تلك التعريفات فهي بشكل عام تتفق في الرؤية والمضمون. ولعلني أضيف هنا تعريفا للإدارة إستقيته من كثرة عناصرها التي تملأ الكتب وهو أنها : "عملية تحتاج الى إستمرارية التنظيم والتوجيه والتخطيط والرقابة لاستثمارالموارد البشرية والمادية لمجتمع ما للوصول الى الهدف المطلوب بكفاءه وفاعلية".



إن المصطلحات المكونة للتعريف السابق تتفق مع ما أشار إليه الأستاذ سعيد عن محاور التنمية وقوائم الديمقراطية. وهذا يعني أن الإدارة والتنمية والديمقراطية جميعها رؤوسا للمثلث ذاته، إن أردنا النظر اليها هندسيا. ويعزى ظهورالعديد من التعريفات الى وجود العديد من المدارس التى وضعت مبادئ وأسس الإدارة، ولعل من أوائلها المدرسة الكلاسيكية. والغريب هنا ، أنه رغم قدم هذه المدرسة، والتى ربما تعود الى بدايات القرن المنصرم، إلا ان بعض مبادئها القديمة ما زالت تستخدم من قبل بعض الإداريين إلى يومنا هذا.وإعتمادا على العديد من النظريات ، فإن الإدارة الجيدة لا تعتمد على تخطيط وتنظيم جيدين وحسب، بل تعتمد بشكل كبير على صفات معينة يجب أن يتحلى بها الإداري الفاعل. فعليه - على سبيل المثال لا الحصر - أن يتحلى بأخلاقيات معينة كالأمانه، والعدل، والإخلاص في العمل. كذلك يجب أيضا أن يتحلى بصفات إنسانية وعقلية وفكرية وفنية وحتى جسدية تتفق وطبيعة عمله تكون على أقل تقدير نابعة من حبه لوطنه. ومما لا شك فيه، أن جميع تلك الصفات نجدها تنبثق من تعاليم ديننا الأسلامي الحنيف فلا حاجة لأسلمتها. فقد قال الله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين." (آل عمران:85) وقال جل وعلا: "...فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا..." (طه:123-124).



أما الديمقراطية (لغويا: حكم الشعب أوالأكثرية)، والتي باتت تتلقفها آذاننا من كل حدب وصوب، فهي أيضا لا تتأتى إلا بوجود تلك الإدارة الحكيمة التي لا تتضمن الإدارة المالية والتوظيفية والتنفيذية فحسب وإنما إدارة الوقت والمخاطر. ولا جديد في القول بأن ضمن مفاهيمها، الحفاظ على حقوق أساسية للبشر، وأحد هذه الحقوق هو حريّة التعبير عن الرأي. وأيا كان نوع الحكم في بلد ما سواءا ملكي أو جمهوري أو غيره فإنه من الواضح أن المساحة شاسعة بين ما ينقش فيها من ديمقراطية وبين ما يمارس. إن البعض يعترف أنه إن لم تمثل الديمقراطية (كنظام حكم) سلما للسلطة، وفي ذات الوقت ضمانا لحياة كريمة للبشرفي ضمانها لحرية التعبير، فهي ليست ديمقراطية.



ولكن في المقابل نجد أن مفكروا الديمقراطية إجتهدوا لإلباسها أثوابا تتلائم وما يعتقدون. فأصبح هناك ما يعرف بنظام المركزية الديمقراطية (حزب سياسي صيني- يستند على مبدأ الجمع بين المركزية على أساس الديمقراطية والديمقراطية بإرشاد المركزية)، وليبرالية وأخرى توافقية وديمقراطية شورية وغيرها الكثير. نماذج أخرى أطلق عليها تسميات لا تخرج عن طبيعة البشر في التكتل وفن النزاع فهنا ديمقراطية فوضوية وهناك إنضباطية وقس على ذلك.



ما نشهده اليوم من تصرفات حزبية في إدعاءات ديمقراطية، يجب ألا نجعلها مثلا دونما دراية، فليست هذه هي "الديمقراطية" المنشودة. أليس كذلك؟ إن الكتاب الرّباني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يحمل لنا صورة (سورة) كاملة لأجمل سنن الديمقراطية على الإطلاق، حيث يقول الله عز وجل: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب" (الشورى:10).



وعوْد على بدء ، فإن التنمية بما تحتويه من مفاهيم التطوير والتحديث والإصلاح باتت أمرا مفروغا منه، ليس لانها تعكس منظور إنساني وحضاري وحسب، بل لأن تحقيقها يمثل أحد الضمانات للغيرة على مكتسبات الدولة والحفاظ على منجزاتها. وربما يتطور هذا المنظور ليكون أيضا ضمانا لدوام الأمن والإستقرار في بلد ما وهذا مكسب في حد ذاته. ختاما، أقول أنه إذا وجدت "خطة محكمة" في يد "إدارة فاعلة" وفي جو "ديمقراطي مطمئن"، فابشر "بالتنمية المستدامة"..... ودمتم سالمين 


مقال منشور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق